الجمعة، 23 أغسطس 2013

ساعة عصارى


    تغمرنى السعادة كلما جاء ..
   
    على الرغم من شدة حرارته وقيظ شمسه .. على الرغم من الملل الذى قد يبدو متسللا بين اوقاته اللزجة .. على الرغم من مسامات جلدى التى تسمح بمرور بعض العرق الناتج عن سخونته .. على الرغم من ازدحام الشوارع التى تعج بالناس فى وقت قد تضطرب اعصابك عن احتكاك اى شخص بك .. على الرغم من الكسل والخمول الذى يشعهما فى الانسان .. على الرغم من انتشار البشر فى اماكن البهجة المناسبة لهذا الوقت .. على الرغم من كل ذلك .. ألا اننى _ وبصورة عجيبة _ احبه .. بل اننى استمتع به وبلذه ساعاته .

   الصيف .. نعم هو بعينه الذى اقصده , صيفنا المبهج السعيد , الحار اللزج فى أن واحد ..  لو تذكر كل منا لحظاته وذكرياته فى ساعات عصاريه لذاب فيه عشقاً .

  ساعة عصارى وانت عائد من مشوار طويل فى عز الشمس اللاهبة تتأفف وتنفخ من فرط سادية شمسه التى لا تكف عن مضايقتك , احتكاكك بالبشر والعرق ينسال منك بوفرة لا تجدى معها المناديل المعطرة .. ليزول هذا كله بدش بارد تهطل مياهه المنعشة على جسدك ليمنحك لذة عارمة وبثمن بخس , ثم تنعش جسدك من الداخل بمشروبك المفضل الذى قد اخرجته للتو من الفريزر وهو فى اوج تألقه وبريقه .

  ساعة عصارى .. وانت جالس فى شرفتك التى خضبها لون الشمس البرتقالى التى توشك على النوم فى فراش الكون الجميل .. تطيل النظر لها بينما تغرق فى ذكرياتك التى اوقظها فيك سحر المنظر , تختلج مشاعرك فتمنحك سلام نفسى راقى الاحساس .. او تستمتع بالهدوء الذى يبثه الكون فى تلك الساعة العزيزة بينما تعزز استمتاعك باللحظة بسماع الموسيقى الهادئة او اغنيتك المفضلة , التى لابد وانها تحمل لك شعورا ما .. فى ذكرى ما .. لمكان ما .. فى زمن ما .. لم يستطع مضى الزمان على ان يمحيه .

  ساعة عصارى .. وانت عائد لتوك من المكتبة وقد ابتعت بعض الكتب والروايات المشوقة , التى تحملك الى عوالم اخرى بعيدة قد لا تطئها قدمك فى يوم من الايام , لكنك بقرائتك تكون قد زرتها واستمتعت بها واستنشقت هوائها , رواية خيالية تعيش بداخلها , ذلك الصخب اللذيذ الذى يتجلى من داخل اوراقها ليحلق بك فى افق بعيد .. وحالم , بينما فنجان قهوتك قد تركته بجانبك , لكنه لا يزال ساخناً ينتظرك .

  ساعة عصارى .. وانت تقف على شباك سينما تحضر التذاكر بينما تنتظرك .. هناك .. وعلى مقربة منك , وردة احلامك .. حبيبتك التى تنظر اليها فتجدها تسخر منك بخفة وهى تراك محشوراً بين الجموع , فتقابلها انت ايضاً ببسمة ودودة صادقة تنسى معها اختناقك وانعجان جسدك بين رواد السينما .

  ساعة عصارى .. وانت تجلس بين اصدقائك فى الكافيه المعتاد , وعلى المنضدة المعتادة , تهربون لبعض الوقت من هموم الحياة التى _ بتجمعكم _ لا تتجرأ على ان تثقلكم , تمطرون بعضكم بالمزح الخفيفة _ واحياناً الثقيلة _ فتشعون جواً من المرح , تقصون على بعض مشاكلكم .. وكيفية انقضاء ايامكم , وتحكون .. وتحكون .. وتحكون .. وابداً الحديث لا ينطفىء .. ولا الكلام ينتهى .. ولا جمعكم يزول .

  ساعة عصارى .. وانت تهرول بملابسك الرياضية ومعك اصدقائك الذين يرتدون نفس الزى معك , تركضون الى النادى , او الى مركز الشباب , او حتى الى ساحة فضاء , كى تبدأون مباراتكم المهمه , مع فريق اخر , وتتلاحق الرهانات بينكم على من سيفز , تركضون .. تلعبون .. تمررون .. تسددون .. فتحرزون .. فتحتضنوا بعضكم بعصبية فى لحظة الفوز , ثم تجلسون وعلى غفوة تقومون برش بعضكم بالمياة الباردة لتنتعشون بعد انتهاء المباراة الساخنة .

  ساعة عصارى .. وانت تسير وحدك , بلا هدف , سوى التأمل .. تمضى بين الاشجار الكثيفة , يطربك سماع الحان العصافير التى تسكنها .. تتأمل الكون من حولك .. تغمرك سعادة ما .. تنصت لوقع خطواتك على اوراق الشجر المتساقطة وصوت تمزيقها تحت قدميك .. كراش .. كراش , تمضى بك قدميك الى النيل الرائج .. الصامد .. تتأمل مياهه وتذوب بها , يطوف فى بالك فكرة .. او ذكرى , تنتظر حين تمر الشمس وتسقط داخل مياهه .. فتغادر منتشياً .

  ساعة عصارى اخرى .. واخرى .. واخرى .. لا تنتهى , بأمكانك انت ان تعيش لحظات من المتعة لا تنطفىء او تختبىء , فقط , لو اردت ان تفوص بداخلها , اغرق .. اغرق .. واغرق .. وعش كل ساعة عصارى .. وتذوق جمالها .. واستشعر لذتها .. الى الابد .

...........

خالد عيد
23\8\2013
6:25 صباحا