الأربعاء، 24 يوليو 2013

كافيتريا صبا ( قصة قصيرة )



لم يكن خروجى مهما فى هذا المساء فى البداية .. وما لبث ان اصبح اهم يوم فى حياتى .

بجوار سينما فاميلى المعادى وقد قاربت الساعة الثامنة مساء , كنت والاصدقاء نقف متأملين المكان , نملأ وقتنا الشاغر بالتسكع , ونحدق فى الزائرين , غير مبالين بيومنا .

لمحتها تقف مع صديقاتها , كانت اول من لفتت نظرى بين صديقاتها الثلاث ؛ ربما لجمالها الشديد , فهى اجملهن , انيقة وجذابة , شعرها الاصفر المنساب على كتفيها  وكأنه شمسا مشرقة تخترق قطع الليل .

صرت لا ارى شيئا من حولى سواها , اصدقائى قد هجرت حديثهم , وهم ايضا يلاحظون ذلك , وبدا عليهم مشاركتى فى التطلع الى الجميلات التى يقفن امامنا على الجهة الاخرى من الشارع .

حاولنا اختلاق اى حديث او اى فكرة توصلنا للتعرف عليهن , وبدا التركيز الشديد علينا , هم يركزون فى الفكرة , بينما انا اركز معها . نبتت فكرة برأس احد اصدقائنا ؛ وهى ان نذهب اليهن ونسألهن ان كانوا يردن الانضمام الى حملتنا الثقافية والاجتماعية الخاصة بحى المعادى  .. وهل يحببن ان يشاركن معنا ؟

ومن ثم لجأنا الى هذه الفكرة لكى تبدو اكثر منطقية ؛ فهن اربعة بنات يقفن امام سينما فى المعادى , ونحن ايضا نقف فى نفس المكان , اذ فمن الممكن ان يكون قد جمعنا القدر ويكونوا على قدر من الاهتمام بمثل هذه الاشياء , ونحن طبعا سنكون هؤلاء الشباب الذين سيقدمون لهن تلك الفرصة فى المشاركة النبيلة , بالرغم من ان احدنا لا يعرف شيئا عن مثل هذه الامور وهذه الحملات , اللهم الا واحدا منا وهو من طرح الفكرة .

ذهب صديقنا تجاه الفتيات الاربع , وبدأ صاحب الفكرة يلقى ما عنده , لم اسمع مايقوله ؛ فقد كنت منشغلا بعيون الرقيقة , وبدا انها لاحظت ذلك ؛ فتناثرت قطرات الخجل على وجنتيها , ارتبكت لارتباكها , كانت مثلى لا تنتبه لاحاديثهما المفتعلة , كنت انا منتبه معها .. وهى تنتبه لى لانتباهى بها !

كان وجهها مألوفا لدى بشكل ما , لا اعرف هل رأيتها من قبل .. ام كنت احلم ان اراها .. لا اعرف , كل ما اعرفه انها كانت تعيش وتنبض فى خيالى , ما هذه الفتاة العجيبة , اشعر بألفة غير معروفة الهوية نحوها , وكأنى اعرفها منذ سنين , وكأنى كنت انتظرها .. وهذا هو كل شىء .

كنا قد اتخذنا مكاننا بعيدا عنهم بعض الشىء , بعد يسمح بانفراد كل منا للأخر . نظرت لاصدقائى فوجدتهم منشغلين بأحاديثهم , نظر الي احدهم غامزا بعينه مبتسما , فهمت مغزى ابتسامته تلك ؛ فهو يظن بأنى قد '' علقت '' البنت .

وجدتنى انظر للسماء الرمادية والقمر الحزين المعلق , اتوسل اليهم ان يساعدونى على روعة نجمتهم السماوية الساقطة الينا من الفضاء .

قلت لها محاولا ان التقط طرف الحديث :

انتم بجد ناويين تشتركوا فى الحملة ؟

انفرجت شفتاها عن اسنان كاللؤلؤ ناصعة البياض وهى تضحك بشدة .. فشاركتها الضحك انا ايضا ..

هل تحبى نتمشى شويه مع بعض .. قلت لها

هزت رأسها فى قبول وابتسمت وسرنا معا لا ندرى الى اين تكون وجهتنا , فقط كنا نتخلل الليل ونغوص فيه اكثر حتى تغولنا بداخله وصرنا جزءا منه .

كان الهواء البارد يلفحنا وكنت الاحظه يداعبها بلطف ؛ كان كلما لامس وجهها وشعرها تتطاير خصلات منه تداعب عينيها فتزداد حينها جمالا على جمالها , كلانا لا يعلم كيف انه منذ دقائق لم يكن يعرف الاخر والان هو يسير بجانبه لا لشىء سوى فقط انه يريد ان يفعل ذلك , ما سر انجذابنا ؟ لا اعرف ولا اظنها تعرف ... ظللنا نتهادى على الطريق وكل منا يرمق الاخر بنظرة خاطفة دون ان ينبس ببنت شفة . حتى سألتها انا عن اسمها فقالت فى هدوء : امنية ... فرددت عليها بأن اسمى خالد , وما لبث ان تدفق بيننا حديث رقراق كعيونها , حتى تدرج ووصل الى منعطفات انتبهنا لها سريعا , وما ان اخبرتها انى شاعر حتى تهللت وسألتنى :

_ انت شاعر ! عن ماذا تدور قصائدك .. وهل تكتب فى الحب ؟

_ طالما ابحث عن الحب فى قصائدى .. ولكنى للاسف لم اجده

_ لماذا ؟ هل الحب صعب لهذه الدرجة ؟

_ بقدر نوع الحب الذى تبحثين عنه تكون درجة الصعوبة .. فمثلا انا لا ابحث عن الحب بأحساس مصطنع او مزيف .. او مجرد علاقات عابرة ... حتى انى لا افضل حب الطرف الواحد ؛ فهو اصعب انواع الحب

_ احيانا لا نمتلك القدرة على التمييز .. الحب يأتى بدون سابق انذار

_ الحب يأتى حينما ندعوه نحن ان يأتى .. فما معنى ان نحب من ليس لنا من البداية .. هكذا نصنع جرحا لانفسنا او للطرف الاخر

همهمت وابتسمت ولم تعقب , وبدأت نظراتنا لبعضنا غريبة نوعا ما ؛ نظرات انثوية تقابلها نظرات رجولية , عفوية جدا وبدون اى تزييف او ترتيب , لكن هل يمكن ان يحدث هذا فعلا ؟ .. هكذا سألت نفسى محاولا ان اجيب عن تساؤل العقل لما يحمله القلب ... نعم .. انا الذى اكتب فى قصائدى دوما عن مواقف شبيهه بهذا فعلا , أليس انا من اؤمن بهذا .. اذن فماذا عنها هى ؟

_ من دقايق كنا غريبان عن بعضنا .. والان نسير معا .. هل عندك تفسير؟ ... قالت بود قطع حبال تساؤلاتى قطعا ؛ فانتهزت الفرصة وصرت اتكلم وكأنى ابدأ فى كتابة قصيدة جديدة :

_ ليس عندى الا تفسير واحد .. اخاف اقوله

_ لا تخف .. قل ... هكذا ردت فى لهفة

_ اريد ان اسألك سؤال واحد قبل ان اقول

_ اسأل ..

همست : هل تعود الجمال ان يرافقك دوما هكذا !

حال وجهها الى اللون الاحمر كثمرة الطماطم ونظرت الى الارض فى دلال وابتسمت ... حتى اطلقت العنان للمشاعر فقلت : اتريدين ان اقول لك تفسير ما يحدث .. فى كلمه واحدة فقط ... احبك

توقفت بغتة وتسارعت انفاسها على نحو ما ثم رفعت رأسها الى السماء ونظرت لى نظرة كانت مزيج من المفاجأة والدهشة و الفرح ؛ فأنفرجت شفتاها بابتسامة على استحياء رسمت على وجهها اجمل معانى الكون ... كنت امامها اظل منتظرا حتى بدت انها ادركت انتظارى فما لبثت ان قدمت لى يديها الاثنتين كبساط ساحر فتلقيت اشارتها على الفور ومددت يدى واحتضنت يدها وقبلتهما وما هى الا ثانية حتى كنا كتلة واحدة من الحب . احتضنتها بقوة وحلقنا معا فى حركة دائرية , وكأننا نقول للعالم كله اننا نحب .. هكذا ببساطة .

لم يكن خيالى قادرا على ان يصل لهذا الحد الذى يجعلنى اتوقع حدوث كل هذا وفى هذه المدة القليلة , لم تكن بعيدة كل البعد ؛ فمنذ رأيتها اعجبت بها حتى تصاعدت حدة موجاتى العشقية , وتناثرت الكترونات الحب فى روحى حتى باتت النتيجة الحتمية لهذا التفاعل الداخلى هو اننى : احبها .. هكذا بكل بساطة , لكنى فقط لم اتخيل ان يكون رد فعلى بهذه السرعة . تضاعف حديثنا الودود فسألتى عن مكانى المفضل الذى اجلس فيه ليلا .. فأجبتها فى ود :

احب دائما الذهاب الى كافيتريا صبا على الكورنيش .. هدوء ونيل .. اشعر بالاسترخاء هناك .. وابنى عالمى الخاص .. هل تحبين ان تأتى معى الى هناك

_ بكل سرور طبعا .. على الاقل حتى اتعرف على عالمك الخاص هناك

_ سيعجبك جدا .. انا متأكد .. غدا نتقابل الساعه 7 مساء .. ونذهب الى كافيتريا صبا مع بعضنا ... هزت عنقها موافقة فى مرح .. فأستطردت : بحكم انى شاعر استطيع ان اقل لك بأنك اجمل قصيدة متجسدة رأيتها فى حياتى

نظرت لها برقة ورومانسية افلاطونية

_ ستقضى اجمل يوم فى حياتك .. اعدك

لم افلح ...

بخيبة امل قالها صديقنا , تنبهت له على الفور فأدركت اللحظة التى انا فيها الان ؛ واقفا انا واصدقائى مستندين على جانب سيارة متوقفة . نظرت امامى فوجدت الفتيات الاربع قد رحلوا ووصلوا الى اخر الشارع  وتسير بينهم .. امنية .. هل اسمها فعلا امنية ام كان الاسم مجرد هذى فى هذا الحلم الطويل ؟ .. لم اكن ادرى اى شىء , وسرنا انا واصدقائى نكمل باقى يومنا كالمعتاد , مستوعبا بأن كل ما حدث فى خاطرى هو مجرد غفوة سريعة , لكنها كانت غفوة رائعة بحق واجمل من الواقع .

وكانت هذه هى اخر مرة ارى فيها تلك الفتاة الجميلة قبل ان اراها ثانية فى اليوم التالى فى كافيتريا صبا على كورنيش النيل فى السابعة مساء .

.........

10/4/2013

10:18 مساء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق